رغم انٌه يمثل إصدارها البكر فإنها لم تخجل في الإلقاء بأمهات افكارها الآن بعد إحالتها على شرف المهنة إثر رحلة طويلة مع التدريس هنا وهناك، إنها باختزال قصائد بحجم العمر الذي قضته المربية الفاضلة سميرة طرشونة بن عافية حول مقاعد الدراسة وتعليم اجيال إثر أجيال حين اثمر سفرها مع اللغة والقراءة باكورة انتاجها الأدبي الذي عنونته بـ”أشعاري”، متمثلا في ديوان شعر يحمل بين طياته قرابة خمسين قصيدة ولوحة شعرية راوحت بين الشعر الحر الخالي من القيود ومتن البحور الشعرية لتستوي اقرب إلى تداعيات فاتنة بالدهشة والصدق والإنسيابية أقرب إلى “السهل الممتنع” يسيرة التقبٌل وخفيفة في قصرها عميقة في معانيها .


وفي هذا السياق تقول الأستاذة نفيسة بن سوسية “همسات الشاعرة سميرة طرشونة من عمق الروح تشارك بها قراءها تجاربها في رحلة مستمرة للتعبير عن الذات والحياة، ليس هناك تكلٌف في اختيار الكلمات، تشعر كأنها نابعة من الأعماق تعبٌر عمٌا يختلج في الصدر من أفراح وأتراح… كلمات تنساب سلسة معبٌرة عما تفيض النفس من حنين، من ألم..، من حب دون اللجوء إلى البحور والقافية”.
لقد عكست همسات الشاعرة سميرة طرشونة بن عافية، عمق تجربة صادقة من روح الشاعرة ووجدانها ورهافة إحساسها بامتياز حين تماهت الشاعرة سميرة بسحر نبضاتها لتنحت ذكرياتها شعرا رقيقا. لقد حوى إصدارها البكر نِثارَ ذاكرتها مُوزعا على مِنضدة الفصل قابعا بصدرها اشبه باناشيد تناقلتها خُطاها بين المدرسة والمدرسة خطٌتها بأصابع الطبشور ثم حَبٌرتها اقرب إلى سمفونية تحاكي ملحمتها التربوية ونفسها الطويل الذي أثمر باقتدار عشقها للكتابة.
ومن اعالي الديوان تقول في قصيد “سأظل أكتب”: سأظل أكتب…/ حتى يجفٌ مداد قلمي / حتى تذبل الحروف في كَفٌ المعاني / ..وانا ثابتة على درب الحرف / لا أحيد /سأظل أكتب”
عبر بوٌابة هذه القصيدة نتاكٌد بأن سميرة طرشونة بن عافية تنعم بتدفٌق عال في درجة الكتابة الأمر الذي تلبٌد بكينونتها وجاور روحها لتصبح الكتابة لديها شأن حياتيْ لا بدٌ منه فهي البلسم والمرجعيات وأوكسجين نفاذها إلى البقاع الخفيٌة للغة العربية فتقتني من ضفافها الأجمل والأبهى .
لذا ندعوها قادم الاصدارات أن تتأمٌل في المنجز الأوْل و تأخذ براي النُقٌاد، بعد الثناء على قدراتها اللغوية وتختار ما يتماشى ورؤيتها الذاتية ثم الكونية حتى تتموقع في المشهد الشعري وافتكاك مكانا يليق بمقامها ببقى امامها لزاما تجنٌب الخواطر والتداعيات الشخصية والذهاب اكثر نحو معانقة تلال الإختلاف عن العاديين والبحث عن خصوصياتها في مناخات الكتابة الجديدة والمتطورة وتناول المبحث المرتبط بالقضايا الإنسانية (الحريات. الظلم ، التوق إلى الإنعتاق..) ، دون التغافل على التعلق القويٌ بالهويٌة فهي قاطرة تسافر بالكاتب إلى الكونية.
شدٌتنا ونحن نتصفٌح أبيات لقصائد الحنين إلى ذاكرة المكان حول جزيرة قرقنة مسقط راسها وسوسة حاضنة عشقها للكتابة ونقتطف من قصيد:”قرقنة .. نشيد الجنٌة الخالدة : ” قرقنة ،… أنت جنٌة في هدوء يسكن الروح/ وفي دالية عذبة تطفئ ظمأ الحنين / أنت الأرض التي حملت خطى الأجداد / ورفعت هامات الأمجاد/ أنت حشٌاد في ثورته / وعاشور في ثباته / …أنت الجنٌة الخالدة في القلب والذاكرة”
أما حين يتعلق بموطأ قدميها ومعاشها وسكنها بجوهرة الساحل – سوسة -فتقول:” سوسة أصل ثابت الجذور/ لؤلؤ الساحل درٌة البحور/ .. سوسة /..هي النبض/ هي الحسن / هي السلام../ ومن زارها يوما / تبقى له وطنا، / وسحرا وأمان”.

وبين الترحال في صمت البراري وقطعها مسافات البعيدة منها والقريبة ُتذعن السمع إلى ” صوت الطباشير” تنثر ببياضه الضياء في عتمة الدروب، ثم تهمس بقلبها إلى الخالق داعية:” يا ذو العزٌة و الجلال / يا من بقدرتك تسكن الأكوان/ في سجودي يطمئن قلبي/ وبدعائي أجد الأمان/ ..لك الحمد يا رب الأكوان../ ..يا من يجيب دعاء العاصي الحزين /لك الحمد يا ملك الملوك/ وسبحانك يا مفرٌج الكروب”.
هكذا فتحت الشاعرة سميرة طرشونة بن عافية قلبها للأمل ،.. تزرع الورد في الطرق القاحلة وتدعونا للفرح . تمشي الكاتبة واثقة الخطى رافعة راسها نحو الغيمة تنتظر شعلة حلم تنبثق من شقوق الظلام. لا نملك في آخر مقاربتنا البرقية في المجموعة الشعرية البكر لسميرة طرشونة بن عافية :” أشعاري” أن نبرق لها بشهادة اعتراف عن إصرارها في ركوب التحديات رغم َلومَ اللائمين وتعلن تورٌطها اللذيذ في لعبة الشعر كاسرة حاجز الصمت مجاهرة بهمساتها وكلماتها التي تشعل في الدٌجى نيرانا .. كلماتها لن تخون .. كلماتها تواسيها.. تداويها …. و تكتبها من جديد… نبقى في انتظار جديد الشاعرة المتالقة والمربية الجديرة بالكتابة عنها والتعمق في فحوى أشعارها. .
جلال باباي