العرض الفني الموسيقي والتراثي الذي برمجته إدارة المهرجان الدولي ببنزرت لافتتاح الدورة الجديدة 42..  والذي يحمل عنوان “رحلة الأجيال”..  وحضره كضيف شرف والي بنزرت السيد سالم يعقوب مرفوقا بمندوب الثقافة السيد فوزي بن قيراط..  كان اختيارا صائبا الى ابعد الحدود من حيث الفكرة والتنفيذ وقد لاقى استحسان كل الحاضرين…

عن هذا العرض، قال رئيس المهرجان، السيد لطفي الصفاقسي : “هي عادة قديمة في مهرجان بنزرت الدولي عدنا إليها هذا العام وتتمثل في إنتاج تختص به إدارة المهرجان فيكون بنزرتيا لحما ودما…”

وعن رحلة الأجيال قال السيد الصفاقسي : “هي رحلة في التراث الموسيقي والفني تمتد بين خميّس ترنان وفيصل رجيبه”..

ومن خلال تصريحه هذا، جعلنا في شوق لنعرف نوعية العرض، محتوى فقراته، ثم عناصر وأبطال هذا العرض..

ولمعرفة كل ذلك، اتصلت قبل العرض بثلاثة أيام، بمديره، الفنان يسري مقداد فأفادني قائلا :  “عرضنا الذي يدوم ساعتين يتناول قصة طفل عاش العادات والتقاليد في صغره وقد نهاه والده عنها عديد المرات، لكنه شُغِف بها..  وعند كِبره، بقي على عهده في تعلقه بكل ما هو تراث وأناشيد وأغان صوفية بنزرتية بالأساس.. “

في العرض، شارك 70 نفرا بين منشدين- مغنين، عازفين، مردّدين وراقصين..

أدار العرض يسري مقداد وأخرجه كوريغرافيا فارس الشيخ.. فضلا عن امين بالأكحل عازف الكمنجة الذي تكفّل بالإدارة الموسيقية..

..ويوم الثلاثاء 15 جويلية،  كان موعد العرض..  بفضاء المرحوم حافظ عيسى الذي يتسع لنحو عشرة ألاف متفرج..

كنا هناك قبل العرض ولاحظنا الدخول المنظم من الأبواب ورأينا الأعوان المتواجدين بكثرة في كل منعرجات الفضاء..

العرض ابتدأ متأخرا عن موعده بنصف ساعة لأسباب بروتوكولية ثم صعد العارضون وانطلق اللعب بالأضواء مع مؤثرات صوتية جيدة الى جانب شاشتين كبيرتين تعرضان صور مدينة بنزرت في ما قبل الإستقلال..

في العرض 12 وصلة..  ومنذ الوصلة الأولى كانت بارزة روح الجدية والإحترافية في العزف والترديد وفي غناء المالوف القديم..

وبين الوصلتين الأولى والثانية، قام العرض بحركة نبيلة تجاه احد اكبر رجال المالوف في بنزرت وهو الشيخ محمد الدينوري…

ثم تواصلت السهرة بعشر وصلات شاهدنا فيها تجسيم مظاهر حفل ختان الطفل في بنزت لحد نهاية ستينيات القرن الماضي..

المظاهر تبدأ بالفرقة النحاسية التي تعزف لنا في كل مناسبة ختان انشودة “وهلّلوا.. وكبّروا.. تكبيرا..  صلّوا على محمّدٍ كثيرا”..

وفي حفل الختان، نرى الطفل يرتدي الزي التقليدي البنزرتي التونسي المتمثل في شاشِية فوق رأسه وبَلغة في قدميه إلى جانب “سورية” و”بدعِية” و”سروال عربي بالقندليسة”..  ثم يحطمون الجرة المليئة فاكهة وحلوى أمامه ليلتقطها مع اقرانه في الحومة..

بعدها شاهدنا تجسيم مظاهر ما قبل زف العروس البنزرتية لعريسها حيث “الوطِيّة” ثم يوم الحمّام الذي تخرج فيه العروس صباحا مع صديقاتها الفتيات والمتزوجات حديثا ويقطعن المسافة بين البيت والحمّام وهن يغنّين ويزغردن ويرقصن.. وكلهن مرتديات السفساري ووجوههن عارية ما عدى العروس التي ترتدي السفساري وتغطي وجهها كاملا بحجاب “التعجيرة” البنزرتية الحمراء..

وفي الغناء استمعنا إلى أصوات جميلة وذات غنّة تونسية أصحابها غنّوا لخميّس ترنان وللطاهر غرسة وأنشدوا العديد من قديم التراث البنزرتي، بعضه معروف منذ ان غنّاه الفنان الكبير محسن الماطري في ثمانينيات القرن الماضي، وكثيره لم نسمعه من قبل..

فوق الركح، صعد 12 مطربا ومنشدا، أولهم هو الشاب رامي الكافي المختص في المالوف والأغنية التونسية وهو من نقول عنه أنه خليفة المرحوم الطاهر غرسه..

وآخرهم هو عماد الرياحي الذي قدم لنا أغنية “يا بير ماطر” في طابعها وشكلها الأصليين، وليس كما حرّفها وشوّهها احد الفنانين..

خلاصة القول أن العرض كان ناجحا على جميع المستويات.. رغم بعض الهنات، لكنها ليست مؤثرة..

وبعد ساعتين من “الشِّيخه” البنزرتية التي غنى ورقص معها الجمهور بدون عياء، قصدنا قاعة الندوات أين وجدنا مدير العرض يسري مقداد ومرافقَيْه فارس الشيخ وأمين بالاكحل مصحوبين بالملحق الإعلامي للمهرجان حمزه الطياشي..

في الندوة الصحفية تقدّمنا ببعض ملاحظاتنا الفنية التي لقيت التجاوب من طرف القائمين على العرض حيث اقترحنا ترويج العرض بين مختلف التظاهرات الثقافية في ولاية بنزرت بدعم من مندوبية الثقافة وخارج الولاية، كما اقترحنا تناول الأناشيد والترديدات الصوفية المعروفة في باقي مناطق الولاية..

 فبرافو لإدارة المهرجان على هذا الإنتاج..  وبرافو للفنان يسري مقداد على إقدامه على هذا الإنتاج والنجاح الذي حققه.

الحبيب العربي