بنزرت/الحبيب العربي..


قد تسمعون في الشمال الغربي من بلادنا الغني بتراثه وحكاياته الخرافية.. في الوسط التونسي الكثيرة خيراته.. وفي الجنوب بشرقه وغربه حيث خفة الظل عند الرجل كما عند المرأة وحيث أبطال بلادي الذين عرفناهم في الكفاح الوطني..
في كل هذه الربوع الجميلة، قد تسمعون بالمرأة الى جانب الرجل في كل مكان.. في الصحراء.. في الواحات الخصباء.. في المراعي كما في مساحات الجمع والحصاد.. تعمل بالبيت كما في الضيعة.. تزرع.. تحرث.. تسقي.. تروي الماشية وتسقي الخيول والجمال..
في كل هذه الأنحاء، تجدون المراة شريكا للرجل في كل مجالات عمله..
وأما في بنزرت، في مدنها كما في أريافها، فبالإمكان أن تجدوا المرأة في الإدارة كما في المصنع.. في البيت كما في الشارع.. تدرس وتدرّس.. تعمل بالجهد الكبير على مدار العام..
في الفلاحة، هي عاملة وفلاّحة ومربية ماشية..
في المصنع هي فنية أو تقنية.. هي رئيسة شغل أو صاحبة مشروع..
في الإدارة، هي عون أو إطار مسؤول.. هي جندية وشرطية وقائد فريق..
في المدرسة كما في المعهد والجامعة، هي معلمة وأستاذة ودكتورة في اختصاصها..
في الطريق العام، نراها تقود الدراجة النارية والسيارة والشاحنة والحافلة وحتى الطائرة في الأجواء البعيدة..
عن المرأة في بلادنا سمعنا بكل هذه الخصال والصفات فيها لكن قل وندر أن سمعنا بامرأة تركب حصان الفروسية التقليدية.. و”تتفرسن” من فوقه لتصنع الفرجة الجميلة من حولها حيث تنطلق أصوات الأعجاب وتصفّق الأكف فتزغرد النساء وتولول سعيدة بإنجاز بنت جنسها في ما يتعلق بإحداث الفرجة..
أقول هذا وانا أتحدث عن فتاة لا يزيد سنها عن الثالثة والعشرين صنعت الحدث في الأيام القليلة الماضية يوم اختتام صالون الصيد البحري والفلاحة والثروة الحيوانية ببنزرت حيث إمتطت حصانها ورقصت معه وفوقه على إيقاع الطبلة وأنغام الزكرة المصحوبة بصوت فنان من عمق ريف بنزرت كان يتغنى بجمال الطبيعة وحسن وجه المرأة ورفيع سلوكها المحتشم..

هي الآنسة سارّة بالشريفية من منطقة بوزارية في ريف معتمدية بنزرت الجنوبية..
مع هذه الصبية التي كانت في فرسنتها مرفوقة بوالدها حسين وبأخويها الأصغر منها منتصر، 19 سنة، وشهد، 7 سنوات، كان لنا لقاء فزنا فيه بالحوار التالي:
• أيتها الفارسة المغوارة، من تكونين وكيف جئت للفروسية ؟
– انا سارّة بنت حسين بالشريفية، 23 هاما، عاملة بمصنع وغرامي بالفروسية التقليدية وُلد منذ أن كنت صغيرة.. كنت أحضر مع والديّ أعراس الجيران والأقارب في ريفنا الجميل وكانت الفروسية من أبرز مظاهر الإحتفال.. كنت أشاهد الفرسان الشجعان كيف يركبون الحصان ويلعبون معه، وكنت أتمنى لو أنني كنت ولدا لأركب مثلهم الحصان.. ومع الوقت، كبرت قليلا حتى بلغت سن المراهقة.. وقتها صادف أن اشترى لنا أبي فرسا.. مباشرة ركبتها وبدأت أتعلم عليها بعض ما كنت أشاهده من صنيع الفرسان.. كنت سعيدة جدا بنفسي وانا أحاول أن أصنع الفرجة أمام أخويّ الأصغر مني.. وشيئا فشيئا، تمكنت من اللعبة حتى صرت أشارك بحصاني في بعض التظاهرات في منطقتنا ووالمناطق القريبة منا وكانت دائما فرحتي لا توصف حيث أرى تفاعل المتفرجين عليّ.. هذا يقول ما شاء الله عليها.. وتلك تزغرد.. وثالث يرقص على إيقاع رقص حصاني..
الآن، كما رأيتم، أنا مع فرقة طبّال وزكّار ومغنّي جاؤوا من “ربع سليانة” ليعزفوا وليؤدّوا أغان رقص عليها حصاني وأحصنة فرسان آخرين وحشد المتفرجين في بطحاء سيدي سالم قد قارب الألفي متفرج..
أمر أخير لا بدّ من ذكره وهو أنني أرى في نفسي أسعد فتاة في الولاية اعتبارا لكوني المرأة الوحيدة في الولاية التي تركب الحصان وتؤدّي الفروسية التقليدية..
وقبل أن نختم مع ضيفتنا كان لا بدّ لنا أن نتحدث إلى والدها، السيد حسين بالشريفية، الذي قال:
– أنا حسين بالشريفية، من مواليد منطقة عين فوّار بعمادة بوزارية.. ورثت التعلق بالحصان من والدي المرحوم حمّادي حيث كان لنا حصان تعوّدت على ركوبه منذ صغري وتعلمت عليه الفروسية بعض الشيء.. ولما كبرت ورزقني الله بسارّة ومنتصر، كنت أصطحبهما معي في تنقلاتي هنا وهناك لحضور الأعراس التقليدية والزردات وكانا يشاهدان معي ألعاب الفروسية ويتشوّقان لركوب الحصان.. شجعتهما على ذلك واقتنيت لهما فرسا في البداية ثم حصانا.. وها هما الآن يحذقان الفروسية وأينما يحلاّن يمتّعان المتفرجين بحسن لعبهما وجميل أدائهما، وخاصة سارّة التي تخطف الأنظار وتدير لها الأعناق لأنها المرأة الوحيدة في بنزرت التي تحذق الفروسية العربي..