بقلم  جلال باباي

شهد مؤخرا رواق الفنون بدار الثقافة المهدية انتظام الدورة الثانية من المعرض السنوي:” أكوان متوازية ” والذي تديره وتنسق اشغاله باقتدار الاستاذة سناء جمالي عماري وانجزت بنجاح معلقة النسخة الثانية من هذه الملتقى الفنانة: صابرة بن فرج، أما عدد الرسامين المشاركون هذه السنة فبلغ إحدى عشرة فنانا وفنانة في مختلف التقنيات والمدارس نذكر من بينهم: سناء جمالي اعماري، ايمان بالحاج، الأسعد بن علية؛ صابرة فرج، محمد علي خواجة، غادة لاغة دالي، خديجة بن فرج، نجلاء زوالي كمون، إيمان حامد ثمٌ حمادي الوحيشي ووفاء بوغزالة الزياتي… هذا ومن خلال ملامستنا لاغلب اللوحات والمنحوتات والصور الفوتوغرافية لاحظنا تعلٌقا متينا للمشاركين في المعرض بالأسئلة الوجودية للذات الإنسانية محاولين شرف الطرح الواعي لها عبر ما طرٌزته اناملهم من تنصيبات تشكيلية غاية في الدقة تثري الجانب المعرفي للمتلقٌين وتقتنص من تأملاتهم وانجذابهم لما حوته المحامل الفنية من إبداع.

 وفي هذا الصدد نقرأ ما تيسٌر في شأن هذه الاعمال بشتى المواد ، حيث شدٌتنا إليها صور ومنحوتات كلٌ من : الفنانة والباحثة : نجلاء الزوالي كمون : عبر “يوميات إمرأة”  يتمثل جليا عمل الفنانة التشكيلية نجلاء الزوالي في صورة فوتوغرافية متركبة من جزئين حملت عنوانا لها : “من يوميات إمرأة “حيث برهن انجازها الفني على اهتمام الفنانة بتفاصيل يومية عبر ارتباط هوسها بالطرح الدائم للمواضيع المتصلة بالراهن والمعيش بالتطرق الى المرأة في علاقتها بطفلها وجنينها لتتشكل اللوحة في جزئيها متضمنة تكامل وتماسك يد الأم بيد رضيعها يعاضدهما رابط عاطفي قوي يلف الطرفين متمثلا في حبل حريري مفهوم جلي للتواصل بين الام و طفلها مفعم بالحياة بالحب والعاطفة الجياشة . هكذا وبحنكة المتمرسة بطقوس اللعبة التشكيلية نجحت كابهى ما يكون نجلاء الزوالي كمون في التقاط صورة تلخص يوميات امراة من رحمها تولد الحياة.

 أما بالنسبة لإطلالتنا الثانية فتتعلق بتجربة الفنانة: ايمان حامد بواسطة اعمال خزفية مستوحاة من تجربة الفنان: بابلو بيكاسو بعنوان: “غرنيكا” وقد سعت الفنانة: إيمان حامد التعبير عليها تشكيليا وفنيا عبر تقنية الأشكال التكعيبية في عملين مدهشين الاول بعنوان: ” ارض للنجاة” لوٌحت عبرها الرسامة لبداية جديدة ذات بقاء ابدي في تكوين طيني يطور الحدث بين النحت والجدارية نحو بناء جمالية ارقى لعوالم اخرى، أما اللوحة الخزفية الثانية فعنونتها صاحبة الانجاز: “شخص بوجهين” لتضع يدها على غليان الذات الآدمية بين نقيضيها وصراع الثنائيا.

 وجوه مزدحمة بالذاكرة والموروث للفنان محمد علي خواجة كما استوقفتنا وجوه مزدحمة بالذاكرة والتلقائية نجح الفنان محمد علي خواجة بتدبٌر فني راق في اقتناص اللحظة الأولى من الحراك داخلها ويؤهٌل لها موقعها داخل القماشة لتصطفٌ صامدة واقفة وتفتكٌ مكانها في الزحام وتروي خرافة الذاكرة الجماعية بإعجاب.

 في حين ان نقوش الفنانة صابرة بن فرج الفسيفسائية فقد استقته من بريق العتيق باشتغال على فن الفسيفساء الحقيقي فأبحرت بالاشكال والتيمات فيها من الدهشة والسحر النصيب الوافر.

 نمرٌ للاعمال الخزفية لدى الفنانة  وفاء بوغزالة ، التي لاعبت الطين وطوٌعته حسب إرادتها فاعترضنا تنصيبة  “من جسد إلى آخر” هي ذات بُعد فلسفي وتأمٌل في الجسد كوحدة حراك وتفكير يتكامل بواسطته البعدان المادي الجسماني والوعي الوجداني ليستقيم الجسد مشغلا للرسامة وفاء بوغزالة.

 تجربة الرسامة  خديجة بن فرج تعلٌق جارف بالامكنة: منذ اللوحة الاولى سيدي الدهار اعلنت الفنانة اقتباسها الشخصي لصورة فوتوغرافية كان قد ارسلها احد الأصدقاء لتجسدها في لوحة لانها تمثل جزءا من طفولتها أما الثانية للا البحرية زيتية بتقنية ال couteau.وهي كسابقتها تجسيد شخصي لصورة فوتوغرافية، لطالما كانت منجذبة للبعد الجمالي والخرافي الذي يلتصق بذلك المكان وفي كلمة اعمالها هي عبارة عن هويتها لاصيلة المهدية وبنت برج الرأس.

 الخرافي الأسطوري في الحكي الشعبي لدى الرسام لسعد بن علية اعتمد المنهاج الممارساتي الخاص بمرجعية عجائبية وخرافية يستند على المنقول الشفوي والقصصي الخاص بالمخيال الشعبي المحلي فيما يخص حكايات الغول والغولة،   لينشأ ممكنات تعبيرية متنوعة استطاع لسعد بن علية من خلالها أن يوفر قسطا محترما من الجمالية المخصوصة جعلتها على تواصلية مع العالم الواقعي المألوف .

 الرماد المتطاير وزبد البحر/ للرسامة  إيمان بالحاج هكذا ارادت أسطورة أفروديت : آلهة الحب والجمال ان تُخلق من زبد البحر (l’écume)، هذه الرغوة التي تختفي وتفنى حالما تظهر وتتجدّد مع كلّ موجة.. وتستمر الملحمة مع طائر الفينيق الذي يحترق ويغنى في عشّه ويخلق ويتجدّد من رماده ليمارس كينونته من جديد. إذن من خلال هذه المناخات تنجذب الفنانة إلى أسرار الأساطير الإغريقية وتعمٌق البحث والتجريب رصدا لبصمتها المخصوصة.

 الأفواه الطينية للفنانة: سناء الجمٌالي اعماري” لمسات طينية عالية الجمال”  أدهشتنا الرسامة بها عبر الأفواه المفتوحة على مصراعيها المترامية على جنبات الاطار ، لتمثل بفضل اقتدار اللمسة الفنية لسناء الجمالي حجم الاختلافات المقترنة بالمشاعر الانسانية الجامحة فحلٌقت بنا خارج السرب بحثا لها عن خلاص لأرقها وجراحاتها لترتفع أنامل الفنانة مثل الحلم بعد أن عكفت بمرسمها على كل تفاصيل الحالات النفسية .

 لقد مثٌل معرض ” عوالم متوازية ” هذا العام نقلة نوعية في اشتغال الرسامين على أمهات القضايا ذات العلاقة بالإنسانية ومحاولة المبدعين الإجابة عن أغلبها بواسطة ما استطاعوا من رباطة الجأش ممثلة في لوحات، خزفيات وصور تعكس اجابتها عن طرح وجودي لدور البشرية في الكون.