البيان

وتمرّ السنون ويبقى الرجل بيننا

8 أوت 2011
8 أوت 2023
12 سنة تمر اليوم على وفاة مدير تحرير جريدة البيان الحسين إدريس.
تمرّ السنون سريعة متلاحقة لتبلغ اليوم12 سنة كاملة لكن روح الرجل لا تزال ترفرف بيننا…
رجل كان استثناء في كل شيء…. حتى في رحيله…حيث غافل الجميع وانطلق….وهو في عنفوان العطاء….
رحم الله سي الحسين….
ووفاء لذكراه الطيبة نعيد نشر نص خطه زميلنا محمد بن جبارة قبل سنة مع بعض التعديلات البسيطة.
————————————————–ا

الذكرى الثانية عشرة لوفاة مدير تحرير جريدة البيان الحسين إدريس:
كالعظماء، عاش شامخا ورحل واقفا

للوفاء والذكرى: بقلم محمّد بن جبارة
تمرّ اليوم 8 أوت 2023 إثنتا عشرة سنة من الزمن… إثنتا عشرة عاما بالتمام والكمال، يوما بيوم وليلة بليلة على رحيل قامة كبيرة في عالم الصحافة والإعلام … رجل فريد في أخلاقه وفي إنسانيته… فقلة هم الذين تجد في بلاط صاحبة الجلالة الإجماع حول ذواتهم وكان هو من هؤلاء ، فقد كان الإستثناء الذي خرق القاعدة…

الحسين إدريس، مدير تحرير جريدة “البيان” الذي ارتبط إسمه بها لسنوات طويلة وتدرّج في رتبه بها إلى أن بلغ أسماها بجهده وعرقه وتضحيته ونظافة يده وكفاءته وأنفته وعزة نفسه، كان فعلا رجلا من طينة خاصة جدّا…رجل أعطى للإعلام المكتوب بسخاء حتى وإن لم يكن يظهر في الصورة باختيار منه، فقد آثر أن يلعب دور الموجّه والمعين والمساعد لزملائه في الجريدة على أن يستفرد لنفسه بما يسعى إليه غيره لكسب الشهرة والمجد…
كان اختيارا منه وعن قناعة رغم أنني كنت شخصيا ضدّ هذا الاختيار، فمن حق نفسه عليه أن تنال حظها وحقها شهرةً وكسبًا لكنه كان أرفع من ذلك فاستمر في رسالته يؤديها بأمانة وبحرفية وبصدق إلى أن حانت ساعة الرحيل في يوم رمضاني وهو في عنفوان العطاء فذهب في حال سبيله للقاء ربّه صائما.
والحديث عن “سي الحسين” رحمه الله وطيّب ثراه ذو شجون، فيصعب أن تضع له نهاية إن إنطلق ويستحيل أن لا ينطلق وقد اجتمع خلانه من أسرة البيان… فقد كان الرجل استثناءً جميلا وأنيقا وترك مناقب وإرثا أخلاقيا وإنسانيا واجتماعيا كبيرا يجعلنا كلما اجتمعنا ننبش فيه فيزيدنا النبش احتراما لهذا الرجل الطيّب المتواضع.
“سي الحسين” الذي آثر الذهاب في حال سبيله يوم الثامن من أوت 2011 إلى حيث لن يعود بعد أن استثاق حجرا (رخامة) فشرّفه بالوقوف عليه فما كان الحجر في مستوى الثقة وما قدّر الرجل حق قدره لتكون ساعة الرحيل المؤلمة لكن حسبنا أن السائر إليه ربّ رحيم سيغفر له ويرحمه وينعم عليه بجنات الفردوس.
و رغم غيابه الجسدي النهائي عن عالمنا لا نزال نقرن إسمه كلما ذُكر بحرفي الاحترام والتقدير “سي” احتراما لشخصه وتقديرا لمقامه وتبجيلا لمكانته حتى وهو ليس بيننا وهل نملك ألاّ نفعل.
فالرجل كسب الأفئدة وامتلك القلوب بسموّ أخلاقه وتواضعه وطيب معشره وحسن إنصاته، فهو لم يكن يُشعرنا بسلطة الرئيس على مرؤوسيه ولم يكن يعتمد الغطرسة أو التجاهل ليرفع من شأنه ويجعلنا نهابه، بل كان متواضعا تواضع الأخ مع إخوته، وبسيطا بساطة الأب مع أبنائه، وباب مكتبه مفتوح للجميع دون استئذان فكان كل ذلك يزيدنا احتراما لشخصه وتقديرا لشأنه، فكنّا في “البيان” تحريرا وفنيين وإداريين لا نعترض على قرار يتخذه ولا نمتعض لأمر قرّره، بل ننفذه بكل محبّة أيّا كان القرار…وشخصيا حدث أن اتخذ قرارات تخصني تؤدي إلى التبرّم منها عادة كأن أبقى إلى وقت متأخر مساء الأحد، لكنني كنت أتقبّلها برحابة صدر فأبتسم لها ومنها فيردّ عليها بالقول “الخدمة ما معاهاش لعب” ويبتسم…
“سي الحسين” الذي استعجل الرحيل وهو في عنفوان العطاء الصحفي لم يكن شخصا عاديا حتى وإن لم يصب شهرة يستحقها مقارنة بغيره من الإعلاميين، فهو لم يكن يسعى للظهور الإعلامي التلفزي أو الإذاعي بل كان يكرّس كل جهده لـ”البيان” رغبة في مزيد إشعاعها وتثبيتها في السوق خاصة بعد ما باتت تعرفه الصحافة المكتوبة من صعوبات ناتجة بالأساس عن مزاحمة القنوات الفضائية والمواقع الاجتماعية للصحافة الورقية فأثرت على مبيعاتها ومنها البيان وأحسب أنه نجح في مهمته بشكل كبير إلى أن حانت ساعة الرحيل، فترك الأمانة لغيره وذهب في حال سبيله، وليته يعلم بما حلّ اليوم بالأمانة…
عاش “سي الحسين” شامخا أبيّا منتصب القامة مرفوع الهامة لا يطأطئها لمخلوق كائنا من كان رغم الغدر الذي كان يلقاه من بعض أصحاب الأنفس المريضة خاصة في أسوار ومحيط جامعة رفع الأثقال التي عمل في مكاتبها الجامعية طويلا وهو البطل الذي كان لا يُشقّ له غبار في لعبة يعشقها كثيرا، وحتى في إتحاد الصناعة والتجارة الهيكل الذي تتبعه “البيان” فالرجل لم ينل حقه وذهب الكثير من عرقه سبهللا.
وغادرنا صباح إثنين قبل عشر سنين أيضا شامخا منتصب القامة بعد أن غدر به حجر أصم لا يختلف كثيرا في طبيعته عن بعض البشر في الغدر والصمم… رحل “سي الحسين” لكنه لا يزال بيننا نستذكره ونترحّم عليه فقد كان كالروح لجسد كل من عرفه وعاشره واقترب منه وخبره…إنطفأ نوره في الحياة لكننا كلنا ثقة بأن الله ينير ظلمات قبره بنور يستمر إلى يوم القيامة…
فنسأل الله دائما أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته وأن يلهم الصبر والسلوان لأرملته الصابرة المحتسبة السيدة راضية وبناته الأميرات: الدكتورة فاتن والأنيقة أميرة والمتألقة مريم.
رحم الله سي الحسين فقد كان فعلا أعظم من الحياة…
محمّد بن جبارة