بنزرت، من الحبيب العربي

تقول الحكمة “المشاهدة أقوى دليل”…  ويقول فرع بنزرت للإتحاد التونسي لإعانة الأشخاص القاصرين ذهنيا :  “كل رواد مركزنا من الأطفال والشباب هم أبناؤنا..  نستقبلهم كل يوم..  نحتضنهم.. ندرّسهم..  نؤطّرهم..  ونعلمهم الأناشيد والغناء والصناعات اليدوية التقليدية المختلفة..  واكبر سعادتنا، حين نرى البعض منهم قد اندمجوا في الحياة المجتمعية كما لو أنهم ليست لهم أي إعاقة..”

حين سمعنا هذا الكلام، تساءلنا عن مدى صحّته..  ثم قلنا لنقترب من هذا المركز، الواقع بنهج السور الإسباني بمدينة بنزرت بالقرب من فضاء “حافظ عيسى” التابع لمسرح الهواء الطلق البلدي.

قصدنا المركز فإذا بنا امام واجهة لائقة من حيث مظهرها الخارجي..  تذكّرنا ذلك المثَل القائل “يا مزيّن من برّه، آش حالك من داخل”..

دخلنا..  ويا لسعادتنا التي لا توصف حين وجدنا أنفسنا بين مكاتب إدارة أنيقة وداخل فضاء رحب به حديقتان تتوسطهما مقاعد وقد نبتت بهما الأزهار وظللتها الأشجار الفارعة الأغصان..

وقبالة الحديقتين مكاتب ورشات “صناعات” مختلفة يشرف عليها مدرّبون مختصّون، كل في مجال صنعته..

الأطفال والشبان ذوو الحاجة للإعانة من حيث الجانب الذهني، رأيناهم في هذه الورشات يرسمون، يزوّقون ويلوّنون، يخيطون ويبدعون في عديد الصنعات.. ومنتوجهم بعضه معروض بباحة الإدارة..

قلنا ونحن منبهرون بما نرى :

هل فكّرتم في معرض لإنتاجكم الفني الجميل هذا ؟..

قالوا : قد عرضنا سابقا وروّجنا قليلا بعض منتوجنا..

قلنا : لتواصلوا في الفكرة وكل المجتمع المدني، نعتقد انه سيساعدكم..

ثم عرّجنا على قاعة كبرى في جانبها مطبخ تفوح منه رائحة الأكل “البنين”…

دخلنا فوجدنا مجموعة من الأطفال يتغدّون في اطباق تغري الناظر للأكل منها..

سألنا مستفسرين : كيف هو تمويل مركزكم ومن يدفع لكم المصاريف اليومية؟..

قالوا : الجهة الوحيدة التي تدعمنا ماليا هي وزارة الشؤون الإجتماعية ومقدار دعمها السنوي يمثل ثلثي حاجتنا من المصاريف التي تتوزع بين صيانة المركز والثلاث حافلات الصغيرة التي تنقل أبناءنا يوميا من منازلهم بأحياء مختلفة وكثيرها بعيد عن مدينة بنزرت وتعود بهم إلى بيوتهم بعد الظهر..

هذا الوضع، جعلنا نلجأ إلى المتبرعين من ذوي الحِس الإنساني العالي كي نوفّر لمطبخنا اللحم والدجاج وبعض الأسماك وكذلك كل المواد الغذائية المطلوبة لتغذية روادنا.. مع الإشارة أن وزارة الشؤون الإجتماعية خلال الخمس سنوات الأخيرة لم توفر لنا المنحة السنوية إلا في عامين..  ومع كل هذا نحن نواصل العمل الدّؤوب يوميا من أجل أن ينعم أبناؤنا القاصرون ذهنيا بما ترونه في مركزنا..

سألناهم : وكم هو عدد رواد مركزكم من الأطفال والشباب ؟..

قالوا : 132 فردا حاليا و36 في قائمة الإنتظار..

توقفنا عن السؤال للحظات ثم التفتنا على يسارنا فرأينا قاعة رياضة جميلة.. دخلناها فإذا هي كثيرة الألوان وبها بعض تجهيزات رياضة تقوية العضلات وما شابهها وبعض شبان المركز يتدرّبون تحت انظار أستاذة تربية بدنية..

قلنا : وهذه القاعة، هل يمارس كل تلاميذكم بها الرياضة..

قالوا : الرياضة جزء لا يتجزّأ من برنامج تأطيرنا لأبنائنا والاحاطة بهم، ولذلك، نحن نمكنهم من هذه القاعة وكل حسب قدرته البدنية، كما نرافقهم صيفا إلى البحر ونساعدهم على ممارسة السباحة..

وفي بقية الفصول، نحن نحملهم بنظام حصتين في الأسبوع للمسبح البلدي المحاذي لملعب 15 أكتوبر وقد مكنتنا البلدية مشكورة من امتاع تلامذتنا بالسباحة بالمسبح على مدى السنة الدراسية..

حقيقة، انبهرنا، وقلنا لمرافقينا، رئيس الفرع ومديره، المربي امحمّد الصفاقسي، ونائبته السيدة زينة النوايقي والكاتب العام المربي الرياضي المتقاعد عز الدين القلعي :  أي رسالة تتوجّهون بها إلى من تريدون ؟..

قالوا :  وزارة الشؤون الإجتماعية ندعوها إلى أن تواصل دعمها السنوي لنا بانتظام،..  ولبلدية بنزرت وللسيد الوالي نقول ادعمونا ببعض منحة سنوية منكم تخفف عنا عبء المصاريف الطائلة التي نواجهها كل يوم..

وأخيرا نقول لأهل البر والإحسان ممن هم قادرون على مساعدتنا :

تفضلوا بزيارة مركزنا وساعدونا ببعض ما تستطيعون من مواد غذائية..

وعلى هذا، غادرنا المركز،،  وبقدر ما كنا معجبين بالرسالة الإنسانية الني يقوم بها القائمون على المركز ومنبهرين بنوع الخدمة لأبنائنا القاصرين ذهنيا، بقدر ما حزّ في انفسنا ضيق ذات اليد في مركز فرع بنزرت لإعانة القاصرين ذهنيا اطفالا وشبابا.

الحبيب العربي