توزر – البيان: مكتب الجنوب الغربي/ من أحمد مخلوف

بداية من صبيحة اليوم الخميس 9 أكتوبر وإلى غاية يوم السبت 11 أكتوبر الجاري ستعيش الساحة الثقافية والأدبية والفكرية والشعرية بربوع ولاية توزر على وقع فعاليات إحياء الذكرى 91 لرحيل شاعر تونس والعروبة أبو القاسم الشابي، والتي تنظمها المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بتوزر تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وبدعم منها.

وقد إختارت اللجنة العلمية والتي عهدت لها مهمة الإشراف على إعداد المنحى الفكري والإدبي لهذه الذكرى وتسيير فعالياتها أن يقام محور الندوة الفكرية والأدبية التي ستنتظم بالمناسبة تحت عنوان “الشابي …وقضايا التحرر والحرية..” وذلك بمشاركة محاضرين من تونس والجزائر وستقام فعاليات إحياء الذكرى 91 لرحيل الشاعر أبو القاسم الشابي بفضاء روضة الشابي وذلك في غياب فضاء ثقافي يتسع لأنشطة هذه الذكرى ويكون في حجم شاعرنا الكبير.

الشابي ..الغائب ..الحاضر بيننا على إمتداد 91عاما من الإبداع والإمتاع..
عندما ندرس ونتمعن ملياً في مضامين الشعر التونسي المعاصر نرى أن أبا القاسم الشابي من أكبر الشعراء المقاومين، بحيث أن شاعرنا كان شديد الإيمان بحرية الإختيار ومسؤولا أمام مجتمعه الذي ينتمي إليه، مسايرا شعبه وأبناء قومه، مقاوما للظلم والطغيان ومناصرا ضد الظالم، متغنيا بأمجاد شعبه ورافضا المصالحة مع الواقع الاجتماعي المرير الذي يعيشه شعبه. ومن هذا المنطلق أعتبر الشابي من أولئك المقاومين الذين مضامين معالم المقاومة في أشعارهم، فشعر المقاومة ركن عظيم من أركان الٱدب العربي الحديث، ومن أوسع الأبواب التي يدور في رحابها الشعراء، ولا شك أن شعر المقاومة يعد نوعا من التصدي لكل أشكال الإستعمار والإستبداد فيكون الشاعر المقاوم داعيا إلى “التحرر والحرية” لنيل الإستقلال وملتزما بقضايا مجتمعه، جامعا بين مصيره ومصير أمته. إن أهم محاور المقاومة في شعر الشابي تتمثل في شعره الوطني ونضاله ضد الإستعمار وإلتزامه القومي، وقد تغنى شاعرنا بحب وطنه وجهر بأنه من جنوده المخلصين الذين يقدمون دماءهم الغالية للدفاع عنه، وقد نادى بما ينبغي أن يكون على المواطن من الصفات، كما ندد بالخائن المارق وأنذره بما سيلقى من سوء العاقبة ومن قوله:

*أين ياشعب قلبك الخافق الحساس؟ ..أين الطموح والأحلام؟
*أين ياشعب روحك الشاعر الفنان ؟..أين الخيال والإلهام؟
*أين ياشعب فنك الساحر ؟ ..أين الرسوم والأنغام؟.

وتعتبر هذه القصيدة الثائرة نقطة إنطلاق في تجديد وطنية الشابي لأنها تتضمن خطوطا عريضة واضحة تدل على إحساسه بضرورة البحث والتطور، وتؤكد بالتالي على الأهداف التي يريدها لمجتمعه، وهي تبرز أسباب الضعف التي كان الشعب يرزخ تحتها، وجوانب القوة التي يتطلع إليها الرواد من الشباب بإعتبار أن الوطنية شعور ذاتي يرخص الإنسان بموجبه إلى دوافع نفسية وذاتية ثائرة. والشعور الوطني عند الشابي حاد، يصل إلى حد الذوبان في الرمز الوطني تونس، إذ يقول شاعرنا في قصيدته “تونس الجميلة”:

لست أبكي لعسف ليل طويل أو لربع غداً العفاء مراحه..

إنما عبرتي لخطب ثقيل قد عرانا ولم نجد من أزاحه..

كلما قام في البلاد خطيب موقظ شعبه يريد صلاحه..

ألبسوا روحه قميص إضطهاد فاتك شائك يرد جماحه..

وقد شبه الشابي المستعمر الذي جثم زمنا طويلا على أرضه
بـ”الليل العسف”، وقد إتخذ أبو القاسم الشابي من الإستعمار موقف العداوة، ونبه بالتالي إلى ألاعيبه بل وإستنهض همم الناس وٱثار حقدهم وحذر الشعب منه فقال:

*لا ينهض الشعب إلا حين يدفعه عزم الحياة ..إذا ما إستيقضت فيه..
*والحب يخترق الغبراء مندفعا إلى السماء ،إذا هبت تناديه..
والقيد يألفه الأموات ما لبثوا.. أما الحياة فيبليها وتبليه

وقد تأثر الشابي بما يسود وطنه من جمود وإنحطاط وما يمس بلاده من فقر وجهل ومرض، فسخط على عيشه وتشاءم بحياته تشاؤما مبعثه الإصلاح، فإنه قد توجه بقصائده إلى أبناء بلده لكي يغيروا الواقع الذي يعيشونه ويستميتوا للحصول على الحرية، وقد قال في ذلك :

*إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر..
*ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر..
*ومن لم يعانقه شوق الحياة الخير في جوها وإندثر..
*فويل لمن لم تشقه من صفعة العدم المنتصر..
*كذلك قالت لي الكائنات وحدثني روحها المستتر ..

وقد كانت قصيدة “إرادة الشعب” صرخة مدوية في وجه الإستعمار والتسلط والعبودية وصيحة عالية تؤكد وأن “الشعب لا يقهر”.

وما يذكر في هذا السياق أن في ديوان الشابي قرابة عشر قصائد حول الكفاح والنضال ضد المستعمر الذي أكد شاعرنا أنه لا يفكر إلا في نهب ثروات الشعب التونسي وفي إطالة أمد إحتلاله لتونس، وأن الوضع يتسم بالفوضى وتدهور المنحى الإجتماعي والسياسي لأبناء الشعب التونسي، ليتأكد أيضا وأن الشابي يعتبر رائدا من رواد الحركة التحريرية للشعب التونسي والذي حاول ان يبث فيه الحماس لمواجهة المحتل الغاصب ومقارعته بكل ما لديه من قوة لتحرير وطنه من عبوديته وإستغلال ثرواته…
خمس وعشرون عاما هي كل ما عاشه شاعر تونس والعروبة أبو القاسم الشابي من هذه الحياة بكل ما تحمله من مرارة وقسوة ووجع وزهو ومرارة وأمل .. 25 عاما ملأ فيها الشابي الدنيا بإرهاصاته الأدبية والفكرية والشعرية المقاومة التي أوجع بها المستعمر وزلزل بها الأرض من تحت أقدامه تاركا بذلك أثرا شعريا وفكريا وأدبيا جامحا قد ظل خالدا إلى يوم الناس هذا.

معارض متنوعة ..قراءات شعرية بالجملة وندوة أدبية بعنوان: “الشابي وقضايا التحرر والحرية”
شهدت فعاليات إحياء الذكرى 91 لوفاة الشاعر أبو القاسم الشابي صبيحة اليوم الخميس 9 أكتوبر إفتتاح جملة من المعارض المتنوعة والمتميزة وهي: معرض كتاب الجهة ومعرض الإصدارات الجديدة ومعرض إصدارات حول الشابي ومعرض الخط العربي ومعرض النحت على خشب النخيل إهتم موضوعه بالشابي