مستاء والله.. من حالة دورات المياه في عديد المقاهي والمطاعم في مدينة بنزرت… فلو طبّقت مصالح المراقبة الصحية التابعة لوزارة الصحة وطبقت مصالح المراقبة التابعة للبلدية، على اصحاب المقاهي والمطاعم، الشعبية منها على الخصوص، ما جاء في كرّاس الشروط من واجبات حفظ الصحة كانوا قد أمضوا عليها ووافقوا حين فتحوا مشاريعهم، لرأينا الكثير منهم قد صدرت في شأنهم قرارات غلق مع خطايا مالية..

فلماذا لا تقع مراقبة هذه المحلات التي تفتح بين الحين والآخر وفي كثير من الحالات تظهر كالفقاقيع، بلا ترخيص قانوني لأصحابها ولا إدراك لقواعد وشروط العمل في مثل هذه المحلات عامة ؟..  لماذا لا تقع المراقبة بصفة مستمرة وبنسق دوري ؟..

ما اعتقده شخصيا ان مصالح حفظ الصحة في الوزارة المذكورة وفي البلدية، اعوانها وفنيوها على علم بواقع مقاهي ومطاعم مدينتنا..

لكن المراقبة غير مستمرة..  وغير منتظمة..  والمتابعة بعد إسناد الرّخص شبه غائبة..  وحتى المحلات التي يقع اكتشاف مخالفاتها في هذا الباب من حيث الحالة الكارثية لأدوات ووسائل عملها ولبيوت الراحة فيها..

اقول بيوت الراحة كما جرت تسميتها في بلادنا وهي التي لا يجد الحريف في الكثير منها اسباب الراحة المذكورة..

المثال على ما اقول سأختصره في مثال مرحاضي مقهيَين كنت قد دخلتهما يوم امس وصبيحة هذا اليوم..

المقهى الأولى التي دخلتها امس الإربعاء تقع بمنطقة البْحِيره من حي بوقطفة..  مظهرها الخارجي يوحي بأنها نظيفة..  وتلبية طلبات الحرفاء فيها طيّبة..  لكن، حين تضطرّك الحاجة البشرية المتأكدة لقضائها قبل عودتك لمنزلك، تدخل غرفة المرحاض في هذه المقهى..

الغرفة وحيدة..  اي ليس هناك غرفة أخرى إلى جانبها كما تشير أوامر كراس شروط المقاهي، مرحاض للرجال وآخر للنساء. وللإشارة، فإن هذه المقهى تؤمّها النسوة كما الرجال..

صورة تقريبية

فهل هي حقا غرفة مرحاض ؟!… ابدا..  إذ هي شبه ثقب في الحائط الداخلي للمحل..  متر بالعرض على متر ونصف المتر بالطول..  ليس بها شباك للتهوئة يطل على الخارج..  وحين تدخلها وتغلق الباب من خلفك يسودها الظلام لأن فانوسها الكهربائي محترق ولم يقع تعويضه بفانوس جديد..

ولأن هذا المرحاض على هذه الحالة، صاحب المقهى كتب على ورقة بالخط الأسود الغليظ والعريض :  “مرحاض للتبوّل فقط”…

ولكُم طبعا أن تفهموا المقصود الذي يرمي إليه صاحب هذه المقهى..  انا أتساءل كيف أمكن للجنة صلوحية المحلات ببلدية بنزرت إسناد رخصة فتْحها لصاحبها ومثلها لا يستجيب للشروط المطلوبة أساسا بدليل عديد الإخلالات ؟..

وكيف تغاضت لجنة حفظ الصحة التابعة لوزارة الصحة خاصة طوال السنوات التي هو يعمل بها مقهى مفتوحا للعموم ؟..

وأما المقهى الثانية التي استدل بها اليوم في ذِكرى لسيء حالات المراحيض بها، فهي الشعبية التي تطل على مفترق طرقات مهم في حيّنا..

مظهرها الخارجي يوحي بأن صاحبها مهتم بها جيدا ومُعتن بنظافتها..

لكن، حين سألت النادل عن “بيت الراحة” قال هي على يمينك.. التفت.. فإذا به باب أكاد اقول عنه أنه من فضلات البناء.. مشقق.. وليس به مقبض قفل خارجي..  دفعت الباب فلم يّفتح..

قلت للنادل :  الباب مغلق..

قال :  معك حق..

ثم خرج من وراء منضدة التداول، le comptoir، ومفتاح صغير بيده.. فتحت الباب… دخلت فإذا بي في غرفة صغيرة مظلمة تركت الباب مفتوحا قليلا كي ارى ما بالداخل..  فإذا به وعاء المرحاض متّسخ

جهاز تدفق الماء به، la chasse d’eau، لا يعمل….. خرطوم الماء، le flexible، لم يبق في الحائط منه إلا أثره..

وأما الماء فيسيل بطيئا من حنفيته.. وليس هناك فوق الحوض لا صابونا ولا ورق تجفيف ولا حتى منديل..

وفي زاوية من هذه الغرفة شبه الموبوءة، ثلاثة صناديق قوارير ماء معدني بلورية فارغة..

ومن حولها، أوراق وبعض نفايات على الأرض ما يدل على أن العامل هناك لم يقم بتنظيفها من زمان..

إنها الكارثة البيئية التي لا غبار عليها..

نسيت ان اقول لكم ان هذه الغرفة هي الأخرى بدون شباك تهوئة والرائحة بها تزكم الأنوف.. لم اقض حاجتي بطبيعة الحال..  خرجت سريعا وأقفلت الباب بالمفتاح..

قصدت النادل.. مددته بالمفتاح وقلت له :  مرحاضكم في حالة سيئة جدا من حيث انعدام قواعد حفظ الصحة به.. وهو على هذه الحال قد يعرّضكم إلى خطايا مالية، إن لم أقل إلى عقوبة قرار الغلق..

قاطعني وقال :  ليس منا كل ما لاحظته، بل هم الحرفاء الذين لا يحافظون على مكونات المرحاض ابدا..

قلت معقبا :  عفوا سيدي النادل، مهما كان تبريرك، فالمسؤولية تعود إلى صاحب المقهى الذي قد يكون انت..

انتم مطالبون بالصيانة الدائمة لكل أركان المقهى، تماما كما انت، كنادل، مطالب بارتداء منديلك الممَيز وبحلق ذقنك ولحيتك وشعرك بانتظام..

ثم ختمت قولي معه : إصلاح المعطب في مرحاضكم كلفته لا تتجاوز العشرات القليلة من الدينارات..

والمرحاض في المحلات العمومية هو أقوى دليل على مدى وعي العاملين بقيمة النظافة عامة..

فهل تعدني أن أجد وضع بيت الراحة قد سُوي حين أعود إليكم بعد اسبوعين من الآن ؟..

ابتسم وقال :  سأرفع الأمر لعرفي الآن.

الحبيب العربي