
توفي الفنان والموسيقي اللبناني زياد الرحباني عن 69 عاماً بعد مسيرة فنية حافلة، حسبما أعلن التلفزيون اللبناني الرسمي اليوم السبت.
اشتهر الرحباني بموسيقاه الحديثة وتمثلياته السياسية الناقدة التي تصف الواقع اللبناني بفكاهة عالية الدقة. وتميز أسلوبه بالسخرية والعمق في معالجة المواضيع والقضايا المحلية، حيث يردد الكثير من اللبنانيين أقواله ومقاطع من مسرحياته في أحاديثهم اليومية.

الفنان والملحن اللبناني زياد الرحباني يشارك في حفل موسيقي عام 2014 (أ.ف.ب)
في زمن تراجعت فيه الأصوات الجريئة، سطع نجم زياد الرحباني كصوت لا يشبه أحدا. ولد زياد في غرة جانفي عام 1956 في بيت فني عريق: ابن السيدة فيروز والراحل عاصي الرحباني. لكنه، وعلى الرغم من هذا الإرث، لم يقف عند حدود “المدرسة الرحبانية”، بل شق طريقا خاصة اتسمت بالتمرد، النقد اللاذع، والوفاء لقضايا الشعوب، لا للحكام.
المسيرة الفنية:
بدأ زياد مشواره في عمر مبكر، وبرز في مسرحية “سهرية” عام 1973، ثم توالت أعماله المسرحية والموسيقية، التي كانت ثورية في شكلها ومضمونها، نذكر منها:
بالنسبة لبكرا شو؟
فيلم أميركي طويل
نزل السرور
شي فاشل
لولا فسحة الأمل
تميّزت أعماله بمزج نادر بين الكوميديا السوداء، والموسيقى الشرقية الأصيلة، والنقد الاجتماعي والسياسي الجريء، بل والساخر أحيانا، مع تمسكه بلغة الناس وهمومهم اليومية.
موقفه من الطائفية والدين :
لم يكن زياد يوما أسير الطائفة. انتقد الانقسامات الدينية في لبنان بجرأة، ووقف ضد النظام الطائفي المستشري. في حواراته ومسرحياته، عبّر بوضوح عن رفضه لاستغلال الدين في السياسة، وأدان الصراعات المذهبية التي مزّقت لبنان. لم يكن ملحدا كما روج البعض، بل كان رافضا لكل فكر جامد يُستخدم لتبرير الظلم والقمع.
السياسة والموقف من فلسطين:
كان زياد من القلائل الذين لم يساوموا على فلسطين. اعتبر القضية الفلسطينية جوهر النضال العربي، ودافع عنها فنيا وسياسيا، حتى في أحلك الظروف. أطلق في أكثر من مناسبة انتقادا حادا للأنظمة العربية المتخاذلة، وفضح نفاق الإعلام والسياسة الرسميين تجاه غزة ومآسيها. دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ورفض التطبيع بكل أشكاله، واحتضن فكرة الكفاح المسلح في مواجهة الاحتلال.
وفي لقاءاته المتكررة، قال بوضوح:
“غزة مش لوحدها… في صوت معها اسمه الضمير، بس وين الضمير؟”
زياد كان صوت من لا صوت له. لا يخاف المواجهة، ولا يهادن الظالم. رجل يساري الفكر، ملتزم الطبقة الكادحة، عاش حياة بسيطة رغم شهرته، وواجه خيبات لبنان السياسية بانحياز دائم إلى المهمشين. رأى في الفن وسيلة مقاومة لا ترفا ثقافيا. كان شعبيا بلا شعبوية، نخبويا بلا تعال..
سخر من الفساد، وفضح الساسة، وانتقد حتى الجمهور الذي يصفق للمجرمين، وواجه بحسرة كيف تحوّل الشعب إلى ضحية صامتة. حذّر مرارا من انهيار القيم، وقال عن لبنان ذات مرة:
“هيدا البلد عم ينهار وناطرين حفلة لفيروز لتفرحوا”.
ولحن الرحباني لوالدته الفنانة الكبيرة فيروز بعضاً من أشهر أغانيها.


