سجّل عدد سكان الجمهورية التونسية ارتفاعًا بلغ 989.415 نسمة خلال العشر سنوات الماضية، وذلك بحسب ما كشف عنه المعهد الوطني للإحصاء، خلال ندوة صحفية عُقدت صباح اليوم السبت في نزل الأكروبول بالبحيرة، للإعلان عن النتائج المفصلة للتعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024.
ووفق البيانات الرسمية، فقد بلغ عدد سكان تونس يوم 6 نوفمبر 2024 ما مجموعه 11.972.169 نسمة، مقارنة بـ10.982.754 نسمة في التعداد السابق لسنة 2014، أي بمعدل نمو ديمغرافي سنوي قدره 0.87 بالمائة.

توزيع ديمغرافي وجغرافي متباين

وأوضح المعهد في عرضه أن نسبة الإناث بلغت 50.7 بالمائة من مجموع السكان، مقابل 49.3 بالمائة للذكور، بما يعكس استقرارًا في التوازن السكاني بين الجنسين مقارنة بالتعداد السابق.
كما كشف التعداد أن نسبة الأجانب المقيمين في تونس لا تتجاوز 0.55 بالمائة من مجموع السكان، أي ما يعادل حوالي 65 ألف شخص، وهو ما يعكس استقرارًا في معدلات الهجرة الوافدة، رغم التحديات الإقليمية والدولية المرتبطة بحركية السكان.
وتُظهر النتائج تركزًا واضحًا للكثافة السكانية في المناطق الساحلية وتونس الكبرى، مقابل تراجع نسبي في عدد السكان بعدد من الجهات الداخلية على غرار الكاف وسليانة، ما يسلط الضوء مجددًا على اختلال التوازن التنموي بين الأقاليم.

تفصيل حسب الأقاليم الكبرى

جاء توزيع السكان حسب الأقاليم كالآتي:

الإقليم 2 (تونس، أريانة، بن عروس، منوبة، نابل، زغوان):
3.949.277 نسمة – بنسبة 32.99% من إجمالي السكان، وهو الإقليم الأكثر كثافة سكانية.

الإقليم 3 (سوسة، المنستير، المهدية، القيروان، القصرين، سليانة):
3.121.821 نسمة – بنسبة 26.08%.

الإقليم 4 (صفاقس، قفصة، سيدي بوزيد، توزر):
2.046.271 نسمة – بنسبة 17.09%.

الإقليم 1 (بنزرت، باجة، جندوبة، الكاف):
1.560.843 نسمة – بنسبة 13.04%.

الإقليم 5 (قابس، مدنين، تطاوين، قبلي):
1.293.957 نسمة – بنسبة 10.81%.

تحوّلات ديمغرافية ومسارات تنموية

واعتبر مسؤولو المعهد الوطني للإحصاء أن هذه النتائج تُمثّل قاعدة بيانات حيوية ستُستخدم لتوجيه السياسات العمومية، لاسيما في المجالات الاجتماعية، الصحية، التعليمية والتنموية. كما شددوا على أهمية استخدام هذه المعطيات لتطوير خريطة الخدمات العمومية، خصوصًا في المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة أو المتراجعة.
ويُعدّ تعداد 2024 الثالث عشر في تاريخ تونس، والأول الذي يتمّ إنجازه باستخدام منظومات رقمية بالكامل، في تجربة قال المعهد إنها سمحت بتسريع المعالجة وتحسين دقة البيانات مقارنة بالدورات السابقة.

تعداد 2024 يكشف: تفاوت إقليمي في نسب التغطية الصحية والاجتماعية…

أظهرت نتائج التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024، التي أعلن عنها المعهد الوطني للإحصاء خلال ندوة صحفية السبت، تباينًا واضحًا في نسب التغطية الصحية والاجتماعية بين مختلف أقاليم البلاد، وهو ما يعكس استمرار الفجوة الجهوية في النفاذ إلى الخدمات الأساسية رغم السياسات التنموية المعلنة على مدى السنوات الأخيرة.

تغطية صحية في حدود 76%… وتفاوت يصل إلى 8 نقاط بين الأقاليم

بلغت نسبة التغطية الصحية على المستوى الوطني 76 بالمائة، إلا أن المعطيات التفصيلية حسب الأقاليم الخمسة كشفت عن تفاوت لافت، يتراوح بين 80.2% في الإقليم الأول (الشمال الغربي)، و72.6% في الإقليم الثاني (تونس الكبرى والساحل الشمالي الشرقي).

وفيما يلي نسب التغطية الصحية حسب الأقاليم:

الإقليم الأول (باجة، جندوبة، الكاف، بنزرت): 80.2%
الإقليم الثاني (تونس، أريانة، منوبة، بن عروس، نابل، زغوان): 72.6%
الإقليم الثالث (سوسة، المنستير، المهدية، القيروان، سليانة، القصرين): 77%
الإقليم الرابع (صفاقس، سيدي بوزيد، قفصة، توزر): 77%
الإقليم الخامس (تطاوين، قبلي، قابس، مدنين): 76.5%

ويعكس هذا التفاوت الجهوي أن النفاذ إلى الخدمات الصحية الأساسية، رغم تحسن المؤشرات الوطنية، ما زال رهين الموقع الجغرافي والجهوي، في ظل تفاوت في البنية التحتية الطبية والتغطية بالهياكل والمؤسسات الاستشفائية.

التغطية الاجتماعية: أكثر من نصف السكان خارج المنظومة

أما بخصوص التغطية الاجتماعية، فقد ناهزت نسبتها 42.1% فقط من مجموع السكان، ما يعني أن أكثر من نصف التونسيين لا يتمتعون بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، سواء في القطاع العام أو الخاص أو في إطار آليات التغطية التضامنية.

وحسب الأقاليم، يتجلى الفارق بشكل أوضح:
الإقليم الثاني (تونس الكبرى): الأعلى بـ49.3%
الإقليم الثالث40.3%
الإقليم الأول39.3%
الإقليم الرابع38%
الإقليم الخامس (الجنوب): الأدنى بـ33.8%

وتؤكد هذه الأرقام وجود فجوة صارخة بين الشمال والجنوب في الاستفادة من آليات الحماية الاجتماعية، بما في ذلك التغطية بالتأمين على المرض، ومعاشات التقاعد، وتعويضات العجز والبطالة، وهي معطيات ستكون محورية في إعداد السياسات القادمة لمقاومة الفقر والإقصاء الاجتماعي.

بين المعطى الإحصائي والخيار السياسي

وتعليقًا على هذه النتائج، أكّد مختصون أن المعطيات الصادرة عن تعداد 2024 يجب أن تمثل بوصلة فعلية لتصحيح التفاوتات التنموية، وتوجيه الاستثمار العمومي نحو المناطق الأشد حرمانًا، خاصة في ولايات الجنوب والوسط الغربي.
كما دعا عدد من الخبراء إلى الإسراع بتوسيع قاعدة التغطية الاجتماعية في إطار إصلاح شامل للمنظومة، يأخذ بعين الاعتبار الاقتصاد غير المنظم، وغياب التغطية لدى فئات واسعة من أصحاب المهن الهشة.

تعداد 2024: النساء في تونس يعشن أطول بـ4 سنوات… وتركيبة سكانية تتجه نحو التهرّم

كشف المعهد الوطني للإحصاء، خلال ندوة صحفية عقدها السبت للإعلان عن نتائج التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024، أن الإناث في تونس يتمتعن بأمل حياة عند الولادة يفوق الذكور بـ4 سنوات، وهو ما يُفسر جزءًا من التفوق العددي لعدد النساء، الذي بلغت نسبته 50.7 بالمائة مقابل 49.3 بالمائة للذكور من إجمالي عدد السكان البالغ 11.972.169 نسمة.
وأكد المعهد أن هذا الفارق بين الجنسين يُعزى، إضافة إلى الهجرة الخارجية التي تمسّ العنصر الذكوري بدرجة أكبر، إلى تحسّن الخدمات الصحية وظروف العيش بالنسبة للمرأة، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة تطرح تحديات هيكلية على مستوى السياسات العامة، لاسيما في مجالات الشغل والصحة والضمان الاجتماعي، خاصة مع التوجه التدريجي نحو شيخوخة المجتمع.

أكثر من 60% من السكان في سنّ النشاط… لكن التركيبة تتغير

وبيّن التعداد أن الفئة العمرية النشيطة (15-59 سنة) ما تزال تمثل الكتلة السكانية الأكبر بنسبة 60.3%، غير أنها سجّلت تراجعًا طفيفًا مقارنة بتعداد 2014، لفائدة الفئة المسنة التي ارتفعت إلى 16.9% في 2024، بعدما كانت 11.7% فقط قبل عشر سنوات، وهو مؤشر واضح على تسارع ظاهرة التهرم السكاني.
في المقابل، واصلت فئة الأطفال دون سن الخامسة تقلصها إلى 5.9% فقط في 2024، بعد أن كانت 18.5% سنة 1966، في دليل واضح على تراجع الخصوبة. كما تراجعت الفئة العمرية من 5 إلى 14 سنة من 28% في 1966 إلى 17% فقط في 2024.

التحوّل الديمغرافي… تحدٍ وتحوّل استراتيجي

وحذر المعهد الوطني للإحصاء من أن هذه التحولات في البنية الديمغرافية، وإن كانت متدرجة، تفرض ضرورة مراجعة عميقة للسياسات العمومية، خاصة في ما يتعلّق بمنظومات الحماية الاجتماعية، وضمان التوازن المالي لأنظمة التقاعد، وتعزيز خدمات الصحة الموجهة للفئات المسنة.
وأشار إلى أن رغم مظاهر الشيخوخة المتنامية، فإن الهيكلة السكانية لا تزال شابة نسبياً، ما يمنح تونس فرصة زمنية قصيرة لتعزيز استثمارها في الفئة النشيطة قبل أن تنقلب الموازين خلال العقود القادمة.