بقلم الصحفي بدرالدين الجبنياني
في واحدة من السهرات التي ستظل راسخة في ذاكرة محبّي الفن الأصيل، أحيى الفنان الكبير لطفي بوشناق حفلًا ساهرًا جمع فيه بين الأداء الراقي، والحضور الطاغي، والتفاعل الإنساني العميق مع جمهور جاء من كل حدب وصوب ليعيش لحظة فنية استثنائية.

أكثر من ساعتين من الإبداع المتواصل، لم تهدأ فيها القاعة من التصفيق والهتاف، ولم يفتر فيها صوت الجمهور الذي ردد كل الأغاني بحب وإتقان. كان الحضور، وعلى غير العادة، شريكًا حقيقيًا في العرض، حيث لعب الفنان دورًا محوريًا في التنسيق مع جمهوره، مُوجّهًا إياهم بلطف وذكاء لترديد المقاطع بانسجام وانضباط، ما خلق حالة نادرة من التناغم الصوتي الذي لم يأتِ من فراغ، بل من علاقة احترام متبادل بين فنان وجمهور يعرفان بعضهما جيّدًا.
من جهة أخرى، أبدعت الفرقة الموسيقية المصاحبة في تقديم أداء حيّ لا يقل قيمة عن صوت بوشناق نفسه. الآلات عزفت بإتقان، والتقنيات الصوتية التي تم توظيفها كانت على أعلى مستوى، ما منح السهرة بعدًا تقنيًا وفنيًا يُضاف إلى بعدها الإنساني والوجداني.
ورغم العدد الجماهيري القياسي الذي ملأ المكان، فقد ساد الانضباط والتنظيم، حيث احترم الجمهور بعضه البعض، ما يعكس رقي جمهور الهمهاما الذي أثبت مرة أخرى أنه نموذج يُحتذى به في متابعة العروض بكل حب ومودة.
كانت سهرة استثنائية بكل المقاييس، جمعت كل عناصر النجاح من فنان في قمة عطائه، وجمهور وفيّ، وتقنيات متقنة، وتنظيم دقيق.

هكذا تُصنع الليالي التي تكتب في ذاكرة الفن بحروف من ذهب.