مینامور فوس” : منهج تشكيلي ذكي

ثقافة وفن : منصور المبروك

يشارك الفنان التشكيلي المبدع والمتميز أحمد نصري في الصالون الوطني للفنون التشكيلية الذي يتواصل إلى يوم 5 جويلية 2025 بدار الفنون بالبلفيدير … بمنحوتتين .. الأولى تحت عنوان “میتامورفوس”.. استخدمت فيها تقنية تركيب ولحام (حديد) بمقاسات 66x30x28 صم .. وقد أراد الفنان أحمد نصري في هذا العمل الفني المتميز منح الحديد قدرة على التشكيل والتركيب رغم قساوته كمادة مستعملة والتغيير من طبيعته في مفارقة تجمع بين الصلابة والهشاشة .. وهو تحدي الدلالة العنوان نفسها التي توحي بالاستحالة على التغيير أو التطويع … وبذلك كشف الفنان طاقة المادة وقابلیته على التحكم فيها جماليا عبر الطي والتركيب مستخدما تقنية اللحام …

يعكس هذا المنجز منهجا تشکیلیا ذکیا استطاع الفنان أحمد نصري عبره استغلال وسائل تعبيرية، كالتطويع والإستعادة خاصة من تلك الصفائح والقضبان الفولاذية الفاقدة لصلاحيتها .. وتمكن أيضا من توظيف قدرة الحديد بدرجة كبيرة من الاختزال والتجريد … وهو أمر يؤكد مدى قابلية هذه المادة للتوظيف المفاهيمي المعاصر حيث تجده في اتجاهات تشكيلية معاصرة| عدة مثل الفن المفاهيمي والايكولوجي وغيرهما ….

“دوامة” : متاهة حديدية…

أما العمل الفني الثاني الذي بإمكان الجمهور ولا سيما أحباء الفن التشكيلي مشاهدته في الصالون الوطني للفن التشكيلي بدار الفنون بالبلفيدير، الذي يتواصل إلى يوم 5 جويلية 2025، عنوانه ” دوامة ” .. استعمل فيه الفنان أحمد نصري نفس المادة والتقنية وأراد خلاله تفعيل معطى الاستعادة تشكيليا لما هو متروك من حديد والتطويعه عبر إعادة التركيب  باللحام غير أن الدلالات التشكيلية قد اخذت بعدا آخر إذ نزع الفنان المبدع بأسلوبه المعاصر نحو التحرر من کلاسیکیات النحت القائمة على التقيد بالمادة النبيلة والكتلة..

إن سياق المنجز قد أزاح الصمت عن الحديد ومنحه صخبا جديدا فى تفاعلية معنوية أثثت الفضاء البصري… وبذلك أحدثت هذه الخاصية تفاعلا بين الجمهور ومكان العرض والمنجز ذاته راسمة صورة لشمولية الحضور المادي والمعنوي في آن واحد. وبالرجوع إلى عنوان المنحوتة فإنها توحي بديناميكية تحول الكتلة إلى تأثير وتأثر جسدي ونفسي في تجربة إدراكية فريدة تراوح هذه المتاهة الحديدية أو “الدوامة” من القاسي الطلب إلى الغنائي المطواع مترجمة لمشاعر يلتقى فيها القلق بالصمت والانكسار بالمقاومة … هذه المنحونة المتميزة أخذت بعدًا تتقاطع فيه مفاهيم الزمن والذاكرة ما يمنحها صفة الوجود… حيث أنها تتجاوز فكرة كونها مجرد عنصر بصري إلى ما يمكن أن تعتبره حضورا أنطولوجيا في فضاء فني …

 منصور المبروك