فقدت الساحة الإعلامية صباح اليوم أحد أعلامها وأقطابها البارزين لسنين طوال، إنه الإعلامي المتميز عادل يوسف الذي يلقب بكروان الإذاعة نظرا لعذوبة صوته وجمال إلقائه، حيث تربت أجيال متعددة على صوته الشجي خاصة في شهر رمضان…

والفقيد عادل يوسف من مواليد 29 أكتوبر 1939 ، واسمه الحقيقي عادل عوض عبد اللطيف ، ينحدر من اب مصري وأم تونسية.

وهو حفيد النقابي مختار العياري (رفيق محمد علي الحامي) الذي حُكِم عليه بالنفي بعد حلّ جامعة عموم العملة التونسية، واستقر بالإسكندرية مع ابنته التي تزوجت مصريا (عوض عبد اللطيف علي) من بلدة سوهاج، وأنجبت منه عادل عوض (عادل يوسف).

توفيت والدته وهو في سن السادسة، فعاش طفولة مضطربة دفعته إلى السفر بمفرده إلى تونس وهو في سن الثانية عشر حيث تكفّل برعايته خاله.

كان دخوله للإذاعة التونسية بمحض الصدفة، فقد اضطر المسرحي المصري الكبير كمال بركات، الذي كان يشرف على قسم التمثيل بالإذاعة التونسية سنة 1952 للبحث عن طفل يجيد اللهجة المصرية، وكان الأستاذ بركات صديقا لخال الطفل (عادل عوض) وقد كان يملك مقهى قريبا من مقر الإذاعة، فاقترح عليه أن يقوم إبن أخته بتقمص دور “بلحة” في مسرحية إذاعية عن قصة للأديب الكبير توفيق الحكيم، ويعمل “بلحة” صبيا لدى صاحب المقهى.

وقَبِل الطفل المقترح وشارك ونجح في تقمص الدور، مما جعل المخرج يُشركه في عدة اعمال أخرى …

بعد تلك التجربة شارك في تقديم عدة برامج اذاعية لعدة منتجين على غرار محمد حفظي ومحي الدين مراد في برامج الأطفال، ثم خامرته فكرة السفر الى مصر موطن والده لتنويع التجربة وتطويرها ولكنه دخل بيد فارغة وخرج بأخرى لا شيء فيها.

**الفقيد رفقة صهره زميلنا في البيان حسن بن أحمد

روى المذيع عادل يوسف رحلته الشاقة الى مصر في حوار صحفي فقال: كانت رحلة شاقة ومضنية ومتعبة جدا ومليئة بالمفاجآت أيضا، فقد قادني الطموح المجنون والحلم الكاذب بالشهرة والمجد للسفر إلى مصر، وفيما ظنّ أهلي أني عدت «مليونيرا» من الخليج، ولكن الحقيقة هي انني لم أصل الى أهلي في “سوهاج” بصعيد مصر إلا بشق الأنفس، فقد صعدت فوق قطار، (رَسْكِيتْ) مثلما يقال باللهجة التونسية، ثم قطعت المسافة الفاصلة بين سوهاج وبلدة “العصيرات” أين تقطن جدتي مشيا على الأقدام وقد أخذ مني الجوع والعطش مأخذه، وأنهكني التعب وأنا أفتش عن بيت جدتي، حتى وجدت علامة “خمسة” مرسومة على باب منزل، فقصدته على الفور فوجدت عجوزا واقفة أمامه ثم بادرتها بالسؤال (مش معقول أنت ستي) فأجابت أنت مين؟ …فقلت لها انا حفيدك عادل عوض، فارتمت عليّ تقبلني بحرارة وجاء الجيران لاستقبالي وقضيت معها ثمانية أشهر من أسعد أيام حياتي. وأضاف: وأرادت جدتي مساعدتي ببيع قطعة ارض لأسافر بثمنها الى الكويت ضمانا لمستقبلي، نظرا لوجود أقارب لنا هناك ولكني رفضت ذلك، فقد كان السفر مرتبطا بقضاء الخدمة العسكرية.

قرر عادل عوض العودة إلى تونس ولكن رحلة العودة كانت أتعس من التي سبقتها، فقد اضطرّ إلى الركوب في شاحنة مع الخرفان لأحد التجار الليبيين من سوهاج الى الحدود الليبية التي قطعها خلسة للوصول الى القنصلية التونسية فوجد المساعدة من القنصل السيد “محمد بدرة” الذي سهل عودته الى تونس سنة 1959.

وحال عودته الى تونس اتصل بإدارة الاذاعة الوطنية وتقدم بمطلب للعمل بها فأُجريَت له تجربة صوتية بإشراف الإذاعي عبد الحميد الرفاعي واجتازها بنجاح وقد دوّن رئيس اللجنة على ورقة الاختيار (صوته جيد يصلح لقراءة النصوص) فالتحق بقسم المذيعين.

بقي ثلاثة اشهر يسمع ولا يتكلم… وهي فترة التربص التي لابد من أن يمر بها كل مذيع جديد ليتعلم أبجديات المهنة أي كيف ومتى يتكلم أمام المصدح، وكيفية مخارج الحروف، وكيفية التصرف لو حدث طارئ… كل ذلك من جهابذة المهنة على غرار عبد العزيز العروي ومليكة بن خامسة وحامد الدبّابي وغيرهم…

قدم أول برنامج بعنوان “مرادفات” للشاعرة والإذاعية زبيدة بشير، فكان يقرأ نصوص البرنامج، فأعجب المستمعون بصوته وأصروا من خلال مكالماتهم الهاتفية للإدارة على معرفة المذيع النكرة، فطلب منه مدير البرمجة حسن العكروت الإفصاح عن اسمه في نهاية البرنامج، فقال: قرأ لكم نصوص البرنامج عادل عوض.

وإن عُرِف المذيع عادل يوسف بتقديم هذا البرنامج، إلا انه عرف أيضا بقراءة النصوص الاذاعية، ففي البرامج المسجلة على غرار “نقوش على سطح الذاكرة” لبوراوي بن عبد العزيز، و”أغنية وقصيد” للشاعر القيرواني جعفر ماجد والبرنامج الصباحي “إشراقة الصباح” وغيرها من البرامج الاخرى، مع رفيقة دربه الإذاعيّة مفيدة زهّاق.

وبما أن صوته جيّد فقد اختاره المطرب الهادي الجويني لأداء أغنية دينية سُجِّلت في رواية “الرحمة الكبرى” بثت في المولد النبوي الشريف وكانت هي الاغنية الأولى والأخيرة… فقد تكلم طوال حياته المهنية وغنى مرة واحدة.

أكثر من 50 سنة قضاها “كروان الإذاعة” وراء المصدح …فقد بدأ الرحلة مع الاذاعة سنة 1952 في قسم التمثيل، ثم انقطع لمدة ثلاث سنوات ليعود بعدها سنة 1959 ويواصل الرحلة الى سنة 2005… حيث اشتهر خاصة بتقديم برنامج “عبرة ونغم” والبرنامج الرمضاني “تحية الغروب” والذي تحول عنوانه بعد ذلك الى “رمضان ملء قلوبنا” طوال 40 سنة دون انقطاع إلاّ مرتين…

تعازي البيان

وبهذه المناسبة الأليمة تتقدم أسرة البيان بأصدق تعازيها لعائلة الفقيد ولزميلنا حسن بن أحمد، راجين من المولى عز وجل أن يتقبل الفقيد برحمته الواسعة وأن يسكنه فسيح جناته.

“إنا لله وإنا إليه راجعون”