لا يختلف عاقلان في أن عديد العقارات المبنية بالجمهورية باتت في حالة سيئة للغاية لتآكلها وتهالكها بسبب قدمها وبسبب عدم اعتماد المعايير الفنية المطلوبة في بنائها لأسباب مختلفة.

وبما أن المشرع مدرك لهذه الوضعيات فقد تدخل منذ سنوات عديدة بمنح صلاحيات للبلديات للقيام بالمطلوب منها في إطار الحفاظ على الصحة العامة والراحة والسلامة، وذلك سواء بالتدخل بالترميم أو بالهدم إن إقتضى الأمر ذلك حماية للأنفس والأرواح والممتلكات.

وقد تدخلت عديد البلديات سابقا رغم أن التشريع أحيانا فيه لُبس أو تعقيد يعسّر في بعض المناسبات عملية التدخل ناهيك أن الأمر يتعلق بحقوق الملكية المضمونة دستوريا، فضلا عن عدم إذعان بعض أصحاب الأملاك الآيلة للسقوط للقرارات البلدية خاصة بالهدم.

وتجاوزا لعدم وضوح بعض النصوص تدخل المشرع السنة الفارطة بإصدار القانون عدد33 لسنة 2024 المؤرخ في 28 جوان 2024 والمتعلق بالبنايات المتداعية للسقوط الذي يسّر عملية تدخل البلديات والهياكل ذات العلاقة في تشخيص العقارات التي تشكل خطرا واتخاذ القرار المناسب في شأنها.

وفي هذا الشأن لم تكن المباني في المرجع الترابي لبلدية الكرم بمنأى عن سواها في مختلف مناطق الجمهورية مما جعلها تتدخل لإتخاذ الإجراء المناسب في شأنها، من ذلك ما اتخذته في خصوص البناية المصاحبة في الصورة والتي تم اعتبارها تشكل خطورة فوضعت البلدية عليها لوحة تحذر من الاقتراب منها باعتبارها آيلة للسقوط.

وقد علمنا أن مالك هذا العقار كان مسوّغه لأحدهم وبمجرد اتخاذ البلدية لقرار هدمه بادر المالك بدعوة المتسوغ لمغادرته، فاستجاب لذلك، لكن عوض الشروع في هدمه تلافيا لما قد ينجرّ عن سقوطه أو حتى سقوط أجزاء منه بقي الحال على ما هو عليه إلى اليوم.

ولئن قد لا نحمّل المالك مسؤولية عدم الهدم تلقائيا لعدة أسباب منها الشخصي ومنها الموضوعي، حيث يصعب أن نجد من يبادر إلى هدم ما يملك، فإن البلدية محمول عليها واجب التدخل بالهدم مع تحميل المالك كلفة العملية وذلك بعد إنذاره بالطرق القانونية بوجوب المبادرة بالهدم، ولا يمكن للبلدية التفصي من القيام بما حمّلها إياه التشريع من وجوب حماية الأرواح والممتلكات، وحتى في صورة القول بأن البلدية يصعب عليها لأسباب فنية أو مادية (معدات وتجهيزات ووو) فإنه ليس هناك أي مانع من تكليف غيرها (مقاولة مختصة…) طبق القانون بالقيام بعملية الهدم على حساب المالك. أما أن تبقى البلدية تشاهد الوضع ولا تتدخل أو أن يستغل صاحب العقار القرار الذي اتخذته البلدية بما يتماشى مع مصلحته في إخراج المتسوّغ ثم يُحجم عن تنفيذ عملية الهدم فهذا قد يرتقي إلى مستوى جريمة التحيّل، فضلا عن أن عدم تنفيذ القرار البلدي بالهدم أو غيره يشكل جريمة في حد ذاته موجبة للسجن.

وفي الجملة فإن عبء مسؤولية التنفيذ على المالك لا يعفي البلدية من تنفيذ قراراتها ولو اقتضى الأمر الاستعانة بالقوة العامة خاصة عندما يكون الأمر يتعلق في جانب منه بالسلامة وبالأرواح البشرية.

فهل تتدخل بلدية الكرم وتلزم صاحب البناية بهدمها، أم تحل محله في عملية التنفيذ؟؟