بنزرت/الحبيب العربي

لأن المسرح أب الفنون ولأنه حين نتوجه به للأطفال والناشئة يصير من أخطر ما يكون.. في الرسائل التي يبعث بها.. وفي الفكرة والمضمون..
وحين علمنا ببرمجة هيئة مهرجان ليالي بنزرت في رمضان الذي هو على أبواب الرحيل مسرحية “القيثارة السحرية” التي أغرتنا بعنوانها كما تغري عادة كل الأطفال، قرّرنا أن نشاهدها وأن نقف من خلالها على مستوى أعمال إحدى شركات الإنتاج في المسرح، وهي شركات قرر باعثوها المتخرجون بشهادات عليا من مجالات الفن عامة احتراف الإنتاج الفني مختلف الألوان..
ففي ليلة الجمعة 7 أفريل الجاري، كان الموعد في الفضاء الثقافي الماجستيك بباب الرمل من مدينة بنزرت، بالقرب من المرسى العتيق..
حضر العرض عدد غفير من الأطفال مرفوقين بأوليائهم.. عكس ما رأيناه في العروض الموجهة للكهول وكبار السن..
الأطفال سعدوا بالعرض.. تابعوه باهتمام.. يسكتون تارة ويتفاعلون بالضحك والتصفيق وبالتجاوب مع الممثلين متقمصين شخصيات المسرحية تارة أخرى..
على يساري جلست في الصف الأمامي بنت لا يزيد سنها عن عشرة أعوام.. وعلى يميني جلست امها، امرأة شابة..
البنت كانت منسجمة بشكل كبير مع المسرحية والممثلين فيها.. وبعد مضي نصف ساعة من العرض، قالت الأم التي لم تراع سعادة ابنتها : – قومي لنخرج الآن..
قالت البنت : – لا.. دعيني أكمل العرض..
قالت الأم : – إن تخرجي الآن اشتري لك مثلجات “قلاص”..
وإذا بالبنت تغادر مقعدها وترتدي معطفها ثم ترافق أمها..
كم تمنيت حينها لو أن لي قدرة على تلك الأم كي أعطيها درسا في احترام حب ابنتها للمسرح سائلا إياها “لماذا انت جئت بها للمسرحية إذن ؟؟!!”..

المسرحية..
مسرحية القيثارة السحرية هي نص باللغة العربية !! وحذار يا جماعة الإنتاج من تكرار تلك الأخطاء القليلة النحوية في الشكل..
النص للجزائري محمد الكامل بن زيد
والإخراج للمسرحي الكبير حبيب المنصوري..
إنتاج هذه المسرحية هو بعنوان موسم 2022-2023 لشركة “كاريزما” للإنتاج والتوزيع الفني بعمدون من ولاية باجة..
سينوغرافيا، مهنّد العمراني..
موسيقى، وليد أبو النور..
ملابس، إيمان الورتاني..
وتمثيل كل من محمد علي كشطان، أسماء عابر، هاجر عمار، عمر الشايبي وابراهيم الشيحي..
النص هو للأطفال، يشد انتباههم بغرابة أحداثه وبفضل نجاح أبطاله في أداء أدوارهم..
القصة تتناول ظاهرة الصراع القائم بين الخير والشر والمظاهر الزائفة والعقد النفسية والنفاق الإجتماعي
من خلال حيوانات جمعها صاحبها بضيغة واحدة رأينا فيها الحمار “كركر” والدجاجة والكلب وجميعها تعيش في تناغم مع مالكها وتؤتمر بأمره..
إلى أن ظهر العفريت بينهم وهو المعروف بجنوحه للشر وبعدم حبه للعمل فيؤثر على الحيوانات ويجعلهم يتقاعسون في خدمة الضيعة بما جعل الصابة دون انتظارات صاحب الضيعة..
والحمار الذي هو رمز الجدية والتفاني في خدمة صاحبه، نصب له العغريت كمينا بأن جعله يعثر على قيثارة سحرية ملقاة تحت جذع شجرة..
وما إن لمس أوتارها حتى خيّل إليه أنه فنان كبير وعازف ماهر بل إنه صار يرى نفسه أفضل وأجمل من الآخرين كما أن صوته صار أجمل الأصوات..
حيلة العفريت مع الحمار عاينتها “الفزّاعة” ففضحت أمر العفريت ومغالطته للحمار “كركر” الذي أيقن في آخر الأمر أن القيثارة ليست إلا سحرية بنهاية مفعولها عاد الحمار إلى أصله، هادئا ومطيعا مثله مثل باقي الحيوانات وعاد السلم للضيعة..
الفزاعة هي ذلك الشكل الذي يشكله من الأعواد والقش والخرق البالية فلاحو الزراعات الكبرى داخل حقولهم ليذهبوا العصفور الذي يأكل حبوبهم قبل حصادها..

وددت لو..
في شخصيات المسرحية، رأينا اختيارا سليما لنركيبتها حيث الحمار الذي يتحمل الاتعاب ليساعد صاحبه.. والدجاجة التي تعطي بيضا ولحما لمالكها.. ثم الكلب الذي يحرس الضيعة بكل مكوناتها..
العفريت صاحب السوء الذي لا يحب الخير لأهل الضيعة..
ثم تلك الفزاعة ظريفة الشكل التي كانت سببا في أن عاد الحمار لرشده بعد أن تحيّل عليه العفريت..
هنا، وبتمعّن بسيط في الأحداث، وددت لو كان للكلب دور أكثر أهمية من كونه يحرس الضيعة بما فيها..
وددت لو تفضل المخرج سي حبيب المنصوري وأدخل بعض تغيير على ما في المسرحية من أحداث..
وددته، أولا، يطلق على الكلب والدجاجة اسمين يليقان بهما.. كما وددت لو انه جعل الكلب هو من يتفطّن إلى العفريت المتخفّي في مغارة بالضيعة وهو من يتفطن لحيلة العفريت ومن ينقذ الحمار من ورطة القيثارة السحرية..
وفي هذه الحال، نتحدث عن اقتباس للنص يقع خلاله الأستغناء عن شخصية الفزّاعة التي نحس أنها مسقطة في هذه المسرحية..

احترافية وجدية كبيرتان..

نأتي الآن إلى الجانب الفني في هذه المسرحية فنقول أن نصها محبوك بسلاسة في اللغة العربية التي يفهمها الاطفال..

الإخراج أكثر من جميل بما جعل الأطفال وجعلني معهم نرحل إلى الضيعة بأكسسوارات المسرحية ونتجول بين ثناياها..

الأضواء متناسقة مع المشاهد الخمسة للعرض والموسيقى كانت قليلة لكنها معبّرة عن كل مشهد نسمعها فيه..

وآخر قولي أن المسرحية كانت بمستوى فني جيد يليق بشركة محترفة والمخرج بيّن مرة أخرة أنه رجل مسرح بامتياز..

لا أقول هذا لأنني أعرفه من ثمانينات القرن الماضي ولكن بكل تجرد وواقعية أتحدث..

الممثلون كانوا جميعا في مستوى أدوارهم وابراهيم الشيحي كان أبرزهم دون منازع.

  • الحبيب العربي.