شكّل الملتقى الدولي للهجرة “بين الواقع والتحديات”، الملتئم في بداية هذا الأسبوع بمدينة الثقافة بتونس، مناسبة لطرح مقاربة جديدة للهجرة، ترتكز على الهجرة المنظمة كفرصة لا كخطر، وكسبيل لتحقيق مكاسب مشتركة للمهاجر وللدولة على حدّ سواء.

وفي افتتاح الملتقى، شدّد رئيس جامعة عمال تونس بالخارج، حسين العريبي، على أهمية تجاوز الصورة النمطية للهجرة غير النظامية، مشيرًا إلى ضرورة إبراز الجوانب الإيجابية للهجرة المنظمة، التي تتمّ في إطار اتفاقيات دولية تضمن الحقوق وتحمي الكرامة، خصوصًا في بعدها المتعلق بالهجرة من أجل العمل والكفاءات.
وقال العريبي “اليوم، نعمل على تقديم الهجرة كمسار شرعي وآمن، يفتح آفاقًا جديدة أمام شبابنا بعيدًا عن مخاطر الهجرة السرّية ودراما المفقودين. نريد أن يرى الشاب التونسي بابًا آخر للهجرة، بابًا تحفظ فيه قيمته وكرامته، خاصة حقه في العمل الكريم بالخارج”.

كما أشار إلى أهمية الخدمات المسداة للمهاجرين التونسيين العائدين إلى أرض الوطن، موضحًا أن الإجراءات الإدارية، خاصة ما يتعلّق بالتنقل والوثائق، أصبحت أكثر سلاسة بفضل رقمنة المعاملات والتطبيقات الجديدة المعتمدة من قبل الإدارة التونسية والديوانة، ومؤكّدًا أن الدولة التونسية تعمل على تسهيل العودة والاندماج من جديد في الدورة الاقتصادية الوطنية.
من جهتها، اعتبرت الخبيرة في الهجرة والتعاون الدولي وممثلة الجانب الإيطالي في هذا الملتقى، نادين عبدية، أن معالجة ملف الهجرة يجب أن تنطلق من فهم دقيق للقوانين التي تنظّم الهجرة في بلدان الاستقبال، وعلى رأسها إيطاليا، التي تظلّ إحدى أبرز الوجهات للتونسيين، وفق رؤيتها.
وأبرزت عبدية أن هناك اتفاقيات فعلية بين تونس وإيطاليا، تشمل التكوين المهني وفتح آفاق العمل المنظم، مشيرة إلى أن القانون الإيطالي يتيح حاليًا إمكانية انتداب ما يصل إلى 4 آلاف تونسي سنويًا في إطار نظام الحصص المعتمد رسميًا.

وأكّدت أن المادة 27 من القانون الإيطالي تسمح بانتداب الكفاءات، خاصة ممن أتمّوا تكوينًا مهنيًا، وهو ما يفتح آفاقًا حقيقية أمام الشباب.
وأضافت “نحن هنا لنقول إن الهجرة القانونية ليست وهمًا. إيطاليا اليوم عادت إلى تفعيل عقود العمل. هناك فرص حقيقية يجب أن تصل إلى الشباب التونسي، ويجب أن نوفّر لهم المعلومة من مصدر موحّد، عبر مكتب أو منصة شاملة، بدل أن يضطرّ كل شاب إلى التنقّل بين الإدارات بحثًا عن إجابة”.
وشدّدت على ضرورة تضافر جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية لتوحيد الرؤية حول ملف الهجرة وتنظيمها بما يخدم مصالح الجميع، داعية إلى عدم الاكتفاء بالمناسبات واللقاءات، بل إلى مأسسة آليات المتابعة وتيسير النفاذ إلى المعلومة.

محمد الورتاني: ضرورة توعية الشباب من مزالق الهجرة غير النظامية

بمداخلة عنوانها “على عتبة الحدود”، شدّد محمد الورتتاني، رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الهجرة غير النظامية على ضرورة توعية الشباب للانتصار لشخصهم وعدم تحويلهم إلى أرقام مجهولة داخل فرق الإيواء أو فريسة سهلة للعب بعقول وأحلام الآلاف من طرف تجار البشر والعصابات المنظمة من شبكات محلية ودولية تستغل الحلم المشروع للعائلات وتتولى المتاجرة بالبشر والتي أصبحت تجارة مربحة، لكنها دون ضمانات لينتهي المطاف بابنائهم في مراكز الاحتجاز او مجهولين في عرض البحر.

واعتبر الورتاني ان الهجرة غير النظامية لم تعد مجرد خبر عابر في نشرات الأخبار… إنها قصة يومية تكتب على جوارب متهالكة في مطارات مزدحمة وفي عيون تتعلق بأفق مجهول الحدود، لم تبق مجرد خطوط على الخريطة لقد أصبحت مساحة للتفاوض مع الذات ومع العالم حول العدالة والكرامة والفرص… نحن اليوم لن نناقش فقط من يعبر بل لماذا وأين وبأي ثمن…

ويضيف الورتاني نحن نسعى من خلال أنشطتنا لكسر الحدود النفسية الحدود الاقتصادية والاجتماعية التي تفصل بين الحلم والواقع، بين الرغبة في الحياة والعيش تحت سقف الخوف، بين من يبقى ومن يخاطر بالرحيل… الأسباب ليست خافية… تطور عدد المهاجرين غير النظاميين التونسيين خلال السنوات الأخيرة من حاملي الشهادات العليا.. اليوم كما يعرف الجميع تخطوا 39 ألف مهندس و33 ألف طبيب بين 2015 و2020. وحسب المرصد الوطني للهجرة فإن أكثر من 30 ألف تونسي وفي مقدمتهم المهندسيين والأطباء خيروا الهجرة والأرقام في تزايد وااهدف البحث عن شغل حيث لم تعد الهجرة هروبا من الفقر فقط بل أصبحت هجرة أدمغة وكفاءات

وثمن محمد الورتتاني، رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الهجرة غير النظامية، قرار رئيس الجمهورية قيس سعيد بمنع المناولة واعتبره قرارا شجاعا للقطع النهائي والبات مع المناولة والعمل الهش في جميع المؤسسات، لما خلقه من أثر إيجابي جداً لدى الشباب والعائلات لحفظ كرامة التونس في بلدهم،

وأثني على الاتفاقيات المبرمة بين تونس وإيطاليا في مجال الهجرة، واعتبرها خطوة نحو تنظيم وتوجيه الظاهرة في إطار شراكات شفافة تضمن مصلحة المهاجر التونسي.

البحر يبتلع التونسيين

وأضاف الورتاني أنه حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة فإن أكثر من 1200 مهاجر من تونسي فقدوا حياتهم في البحر بين 2014 و2017, وثمت المجهود المبذول للتصدي لهذه العصابات وإنقاذ نساء وأطفال في عرض البحر من قبل القوات البحرية التونسية والذين نعتبرهم منقذوا أرواح الشباب التونسي من خطر المتوسط ومخالب تجارب البشرة.

واعتبر الورتاني التونسيين بالخارج أكثر من جالية، بل هم قوة حية، فحضورهم ليس فقط عدداً، بل قيمة اقتصادية واستراتيجية واعتبرهم سفراء غير رسميين لتونس وجسر حقيقي لجلب الاستثمار ومرهات لليد العاملة التونسية خارج أرض الوطن فمن خلال شبكة علاقاتكم المهنية والاجتماعية في الخارج يمكنكم التوسط لعقد شراكات بين مؤسسات تونسية وأجنبية، وتشجيع المستثمرين للاستثمار في تونس، والأهم هو أن يتحول التونسي بالخارج إلى مستثمر خاصة وأن الكثير من التونسيين بالخارج أصبحوا أصحاب شركات ناجحة في التكنولوجيا أو الصناعات أو الخدمات وبإمكانهم لعب دورا كبيرا من خلال الجمعيات والمنظمات داخل تونس في تكوين الشباب ومرافقة المشاريع الناجحة بضخ مفاهيم جديدة في التسيير والابتكار

وقال الورتاني إننا اليوم لا نخاطب فقط جالية تونسية مقيمة بالخارج بل نخاطب طاقات فاعلة وضمائر حية وجسورا حقيقية بين تونس والعالم، فعدد التونسيين المقيمين بالخارج يفوق مليون ونصف موزعين على أكثر من ستين دولة لكن القصة لا تقاس بعدة الجوازات بل بعمق الانتماء وبحجم ما يمكن أن ننجز…

الورتاني: تحويلات التونسيين مهمة لكنها ليست كل شيء

وأشار إلى أن التحويلات المالية للتونسيين بالخارج مهمة لكنها ليست كل شيء فنحن اليوم بحاجة إلى تحويل الأفكار لجذب التكنولوجيا وإلى تأسيس مبادرات وشراكات مستدامة، فمن خلال شبكتكم يمكنكم دعوة المستثمرين لزيارة تونس للمشاركة في المنتديات الاقتصادية وغيرها من الفعاليات لاكتشاف فرص جديدة.

واختتم الورتاني مداخلته باعتبار التونسيين بالخارج قوة تونس وامتدادها بالخارج ومفاتيح فتحها في المستقبل فيتم تحويل حب الوطن إلى مشاريع وحنين الغربة إلى مستقبل مشترك

إجماع على أن الهجرة لم تعد مسألة عرضية

من جانبهم أجمع فاعلون من مختلف القطاعات المشاركة في هذا الملتقى أن الهجرة لم تعد مسألة عرضية، بل هي خيار يجب التفكير فيه بعقلانية ومسؤولية، على أن تكون الكلمة الفصل فيها للقانون، ولمصلحة الشباب التونسي الذي يطمح لحياة أفضل دون أن يخاطر بحياته.
يشار الى الملتقى الدولي للهجرة بين الواقع والتحديات، الذي انتظم ببادرة من جامعة العمال التونسيين بالخارج، سجل حضورا واسعا لعدد من الخبراء والمختصين وممثلي منظمات المجتمع المدني والسفارات الأجنبية إلى جانب مؤسسات رسمية تونسية.